الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله ..
وبعد : يقول الله تبارك وتعالى :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ
فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي
أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ
اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن
رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (فاطر :1-2-3
)
يثني الله سبحانه على نفسه ببيان عظيم قدرته التي يشهد لها خلْقه السموات
والأرض , وخلْقُه الملائكة عليهم السلام وجعْلُهم رسلاً إلى خلقه بما يشاء ,
وتزويدهم بأجنحة عظيمة يطيرون بها بين السموات وبينها وبين الأرض , فمنهم من يطير
بجناحين ومنهم من يطير بثلاثة , ومنهم من يطير بأربعة , يزيد جل وعلا في خلقهم وخلق
غيرهم مايشاء , إنه على كل شيء قدير لايعجزه شيء .
ثم يبين جل وعلا أن
الرحمة بيده وحده , فإذا فتح على عباده منها من رزق أو مطر ونحو ذلك فلا أحد يستطيع
أن يمنع هذه الرحمة , وإذا أمسكها فلا يستطيع أحد أن يرسلها من بعده , وهو القاهر
الذي لايُغلَب , الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها على مقتضى حكمته .
ثم
يذكِّر جل وعلا عباده بنعمته السابغة عليهم , فهو الذي خلقهم وحده , وهو الذي
يرزقهم وحده من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات والمعادن وغير ذلك , وبالتالي فهو
وحده المستحق للعبادة لاشريك له , فكيف تُصرفون أيها المشركون عن توحيده وعبادته
إلى عبادة غيره؟!
ويقول الله تبارك وتعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا
يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ
السَّعِيرِ) (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (أَفَمَن زُيِّنَ
لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر : 5-6-7-8 )
يبين الله جل وعلا للناس أن
ماوعدهم به في الآخرة من البعث والحساب والثواب أو العقاب حق ثابت لابُدَّ من وقوعه
, ويحذرهم من خداع الدنيا بنعيمها ومظاهرها , كما يحذرهم من خداع الشيطان الذي بلغ
حَدّا عاليًا في التغرير بالناس .
ويذكِّرنا الله تعالى بعداوة الشيطان التي
هي مهمته الكبرى في هذه الحياة هو وجنوده , ويأمرنا جل وعلا بأن نتخذه عدوا , وذلك
بأن يكون من مهماتنا الكبرى في هذه الحياة أن نتذكر دائمًا عداوته وأن نتخذ
التدابير الواقية من كيده , فإنه إنما يدعو أتباعه ليشتركوا معه في المآل الشقي
وذلك في الخلود في نار جهنم .
ثم يبين تعالى المصير السيء للكفار في الآخرة
وهو العذاب الشديد في النار , والمصيرَ الحسن للمؤمنين وهو الظفر بستر الله عليهم
وتجاوزه عن ذنوبهم والأجر الكبير في الجنة , وفي هذا تحذير للكفار عن الاستمرار على
كفرهم , وحث للمؤمنين على الثبات على الصراط المستقيم .
وفي الآية الأخيرة
يقارن الله سبحانه بين الكافر والمؤمن , فهل من حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من
الكفر والمعاصي في منزلة سواء مع من هداه الله تعالى فرأى الحسن حسنا والسيء سيئا؟
لايستوون عند الله جل وعلا , فإنه تعالى يضل من يشاء من عباده لتمحضهم للشر ويهدي
من يشاء لاستعدادهم للخير , فلا تُهلك نفسك يارسول الله حزنا على كفر أولئك الضالين
, فإن الله تعالى عليم بمساوئهم وسيعاقبهم عليها .
الشيخ د.عبد العزيز
بن عبد الله الحميدي